حقوقيون: مجلس حقوق الإنسان لا يستطيع محاسبة الدول على انتهاكاتها لكنه "ضمير البشرية"
مع انتهاء الدورة الـ56 في جنيف
كتب: سلمان إسماعيل
انتهت فعاليات الدورة الـ56 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف أمس الجمعة، والتي انطلقت فعالياتها يوم 18 من شهر يونيو الماضي، بعد أن شهدت مناقشة العديد من التقارير حول حالة حقوق الإنسان في عدد كبير من دول العالم، وكذلك التركيز على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، والخرق الواضح لمعاهدات وصكوك حقوق الإنسان الدولية.
وقال الباحث في حقوق الإنسان والعلاقات الدولية، محمد عثمان، إن الدورة 56 كغيرها دورة عادية ضمن الدورات الثلاث السنوية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكان من أبرز عناصر أجندتها الروتينية عدة جلسات تفاعلية، وجلسات لاعتماد تقرير مجموعة العمل الخاصة بآلية الاستعراض الدوري الشامل لعدد من الدول أبرزها الصين، والسعودية والأردن، وماليزيا وعدد من دول غرب ووسط إفريقيا بينها نيجيريا والسنغال والكونغو.
وأضاف "عثمان" في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن أهم جلسة خلال الدورة هي جلسة عرض لجنة التحقيق المستقلة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة المنشأة من قبل مجلس حقوق الإنسان الأممي في مايو 2021، تقريرها الشامل الأول حول الأوضاع في فلسطين المحتلة خلال الفترة من أكتوبر 2023 إلى ديسمبر 2024، أي الأشهر الثلاثة الأولى من العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة.
وتابع: حمَّل التقرير القدر الأكبر من المسؤولية عن جرائم الحرب المرتكبة في غزة لسلطات دولة الاحتلال، حيث وثق التقرير العديد من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وشرعية حقوق الإنسان الدولية، من أبرزها استهداف وقتل المدنيين، وتدمير البنية التحتية المدنية لقطاع غزة، والتهجير القسري للسكان والحرمان من الأساسيات الحياتية كالطعام والماء النظيف والكهرباء والوقود والخدمات الصحية.
واستطرد: التقرير يشكل إدانة قانونية دامغة لآلة الحرب الإسرائيلية، تضاف للتدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية، وكذلك سيكون هذا التقرير مصدرا للأدلة الموثقة التي يمكن استخدامها من قبل سلطات التحقيق التابعة للمحكمة الجنائية الدولية التي أعلنت نيتها إصدار مذكرات توقيف ضد كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين.
وأشار الباحث الحقوقي، إلى أن الدورة لم تشهد صدور أي قرارات لمجلس حقوق الإنسان حول الأوضاع الإنسانية المتدهورة في كل من فلسطين المحتلة والسودان، واكتفى المجلس باستعراض تقرير اللجنة المعنية بفلسطين المحتلة، كذلك لجنة تقصي الحقائق المعنية بالسودان، لكن عدم إصدار أي قرارات كان مثيرا للاهتمام والأسف في الوقت ذاته.
واختتم "عثمان"، حديثه قائلا: كان من المنتظر أن يصدر مجلس حقوق الإنسان قرارا يدعو لوقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، ورفع الحصار عن القطاع المحتل، ويطالب بمحاسبة وملاحقة كل من تورط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في غزة، ولم يصدر أي قرار خلال الدورة حول الأوضاع في فلسطين، وهو أمر مدهش في حقيقة الأمر، ويؤكد استمرار عجز الآليات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عن القيام بأي إجراء ذي تأثير مادي يذكر حيال الانتهاكات الإسرائيلية الممنهجة للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
تراجع نظام حقوق الإنسان
من ناحيته، قال رئيس مؤسسة مصر السلام للتنمية وحقوق الإنسان، أحمد فوقي، إن مجلس حقوق الإنسان في دورته السادسة والخمسين، شهد تفاعلا كبيرا من جانب ممثلي الدول العربية في المجلس، الذين ركزوا على إدانة الإبادة الجماعية التي تواصل سلطات الاحتلال ارتكابها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وزيادة مراكز التعذيب والتنكيل بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والتوسع في استخدام القنابل ذات الآثار التدميرية الواسعة بحق المدنيين في غزة.
وأضاف "فوقي"، في تصريحات لـ"جسور بوست" أنه على الرغم من حديث بعض الدول عن ازدواجية المعايير لدى الدول الغربية في التعامل تجاه الوضع الكارثي في قطاع غزة، فإن ذلك لم يغير من حقيقة تراجع وتآكل نظام حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فالصمت الدولي تجاه ما يحدث من أزمات في العالم كشف عن قصور المنظومة الأممية، خاصة بعد تأزم الوضع بشدة في السودان وفلسطين وغيرها من دول العالم.
وأعرب عن خيبة أمله لعدم صدور قرارات في نهاية أعمال الدورة 56 تؤكد على حماية الضحايا في مختلف دول المنطقة، ودعم وقف إطلاق النار في غزة وضمان إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل، وإعادة فتح معبر رفح البري مع الجانب الفلسطيني، مع إعطاء أهمية خاصة لإنهاء الوضع المأساوي في السودان.
وأكد رئيس منظمة "مصر السلام" الحقوقية، أن الدورة السابقة للمجلس ورغم المناقشات الحادة التي شهدتها، فإنها لم تحقق أية تطورات إيجابية بشأن حماية حقوق الضحايا في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة ازدواجية المعايير والانتقائية التي تتعامل بها العديد من الدول الأعضاء في المجلس.
وطالب "فوقي"، بضرورة وجود لجان تحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في اليمن وليبيا، فضلا عن دعم لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة لمواصلة عملها.
غزة حاضرة بقوة
من ناحيته، قال الحقوقي الليبي البارز، عبدالمنعم الحر، إن الأوضاع في غزة كانت حاضرة بقوة خلال فعاليات الدورة، خصوصا في تقرير لجنة التحقيق المستقلة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالتزامن مع تحركات مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء دولة الاحتلال ووزير الدفاع الإسرائيلي.
وأضاف "الحر" في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن مجلس حقوق الإنسان يمثل الضمير العالمي لحقوق الإنسان، لكن مع الأسف، الكثير من المنظمات الدولية أضحت تساوي بين الضحية والجلاد، وهو ما تجلى في تقرير لجنة فلسطين الذي أشار في جزء منه إلى انتهاكات وقعت بحق المستوطنين الإسرائيليين في مستوطنات غلاف غزة، ما يعطي دلالة بأن ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي تسبب في جريمة الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وشدد على أهمية الجزء الخاص بإدانة ممارسات دولة الاحتلال في غزة منذ ذلك التاريخ، باعتباره أحد الأدلة التي تدعم مطالبة مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة إسرائيل وتقديمهم للعدالة، ومحاكمتهم على الجرائم المرتكبة بحق السكان المدنيين في قطاع غزة خلال حرب إسرائيل المزعومة على حركة حماس.
ضمير البشرية
ويرى أمين عام الجمعية النرويجية للعدالة والسلام في أوسلو، طارق عناني، أن مجلس حقوق الإنسان لا يملك القوة التنفيذية لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان في العالم، ومع ذلك، لا بد من الحفاظ عليه لأنه يمثل ضمير البشرية الرافض للانتهاكات الجسيمة التي ترتكب هنا وهناك.
وأضاف "عناني"، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن إسرائيل ارتكبت مجازر بشعة بحق المدنيين في غزة، بالمخالفة الواضحة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تنص على حماية المدنيين خلال الحروب والنزاعات المسلحة حول العالم.
وشدد على ضرورة وجود محاسبة دولية بحق المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم المرتكبة في غزة، والانتهاكات المفزعة لحقوق الإنسان والاتفاقيات والصكوك الدولية ذات الصلة، معيدا التأكيد أن مجلس حقوق الإنسان لا يملك شرطة دولية لمحاسبة مرتكبي هذه الانتهاكات.